الحب الإلكتروني

الحب الإلكتروني


(الوعي الإسلامي: العدد : 531)


لا تكاد تدخل مقهى أو ناديا للإنترنت، فضلا عن الإنترنت المنزلي، دون أن تجد من هو مستغرق في الدردشة الإلكترونية، فعبر غرفها العديدة ثمة كلمة فصورة فموعد فلقاء، ففراق، فخيبة أمل وصدمة عاطفية، أو زواج ولو على أنقاض أسر كانت مستقرة.. إن لسان حال هؤلاء وأولئك يقول: "نحن في عصر العولمة والإنترنت، والتعرف على شخص من الجنس الآخر بواسطة الإنترنت أمسى أمرا عملياً وواقعياً، بل وأحياناً رومانسياً". ووراء تلك الأمور العملية والرومانسية تجد آخرين وقد تخطوا مرحلة التعارف والدردشة داخل غرفها إلى سرقة زوج أو زوجة من أسرتها، مما يتسبب في تشتتها بعد استقرار، وتعاستها بعد هناء، وتباغضها بعد وفاء.

هي:

بعد واحد وثلاثين عاما من زواجنا، أكاد أحصي أيامها ولياليها.. خريفها وشتاءها، وقلة ربيعها.. بدأنا معا.. وتحملت أيام الشدة والعسر والحرمان، وساندته، ورزقنا الله تعالى ثلاثة من البنين ومثلهم من الإناث.. وعانيت أيما معاناة في تربيتهم وتعليمهم، فكنت في كثير من الأحيان الأم والأب، وأسر اليوم تعاني من رعاية طفل أو اثنين، فضلا عن تحملي غربته خارج بلده شهورا وسنين.. كي يبني حياته ومستقبل أولادنا الستة، حتى تزوج نصفهم الآن وأنجبوا لنا حفدة فصرنا أجدادا.. نعم أجدادا، ومازلت أرعى نصفهم الآخر، حتى يصلوا إلى بر الأمان كما وصل إخوتهم من قبل.

لقد قدمت الكثير والكثير ليس له فقط، ولكن لأبويه أيضا، إرضاء له، فتحملتهما كبارا، ولسنوات عديدة حتى وفاتهما، وبعد أن أعادني إلى وطني من سنوات أربع، وليتني.. ليتني لم أعد، أحسست بتحوله عنا، كلما تنقل بيننا وبين عمله بالخارج، فقط كان يرسل إلينا نقودا وهدايا "رشوة" عن فراقه لنا، وأخيرا في إجازة له بسبب مرض أبيه الذي توفي فيه.. كدت أجن عندما عثرت على وثيقة زواجه.. نعم لقد تزوج.. تزوج من سيدة أخرى، عقد عليها عشية وفاة أبيه.. صورتها وصورته ماثلتان على الوثائق.. تكبره بثلاث سنوات.. هل كان سيقدم على زواج جديد لولا المال الكثير الذي بات في يده.. عثرت على ساعة ذهبية كان يخفيها، حسبتها هدية لي بعد سفرته الأخيرة، وانتظرتها ليالي لكنها كانت لها.. ولها أيضا اشترى ملبوسات يخجل ابنه الأصغر من ارتدائها.. كيف سيواجه ابنه الأكبر وبناته اللائي تزوجن هذا الأمر مع باقي الأهل؟ سيسرق سعادتهم الوليدة كما سرقت تلك السيدة زوجي.. سرقته مني ومن أولادي ومن أحفادي.. بل من أحلامي، ولم تترك لي سوى آلامي ومعاناتي وعذاباتي ودموعي طوال واحد وثلاثين عاما.

هو:

نعم تزوجنا عن حب ومودة.. ونعم لقد عانيت كثيرا في بداية زواجي بها من شظف العيش، وتقلبت في وظائف عدة، وأنجبنا ونحن في شدة من العيش، فلم أجد عملا لفترات طويلة، فوقفت بجانبي.. وأشكر لها ذلك، إلى أن ذهبت إلى بلد خليجي، وعملت ليل نهار كي أستقدمها وأولادي ليعيشوا معي، ومنّ الله علينا فأصبحنا ميسوري الحال، فلم أبخل عليهم بشيء يريدونه، وأعدتهم إلى الوطن لينتقلوا من شقة صغيرة كانت قد آوتنا لسنوات بداية زواجنا إلى أخرى أرحب في منطقة أفضل، ثم قمنا ببناء قصر منيف، ثم جاء حقي أن أسعد بحياتي الباقية بعدما تحملت كثيرا.. تحملت عدم اهتمامها بي، وتفضيلها للأولاد، وإهمالها في حق نفسها وحقي عليها.. نعم ذقت الحرمان، ومن حقي أن أعوض ذلك الحرمان.. تزوجت ممن تكبرني بسنوات، وأحببتها وأحبتني وتعرفت عليها عبر الإنترنت.. ولها أولاد كبار ومتزوجون أيضا.. ولكن أليس من حق مطلقة مثلها أن تعيش وتسعد بقية أيام حياتها، وفي كنف زوج لها؟، ومع ذلك فلن أطلق أم أولادي إلا إذا رغبت هي في ذلك!!

وبعد.. فكل دقيقتين تقريبا يتعارف شخصان عبر الإنترنت.. وأصبحت الفأرة بديلا عن الخاطبة، لتعدل المثل:"دردشة، فموعد، فلقاء، فزواج".. مثل ربما يصدق على زواج عادي بين شاب وفتاة، ولكن الأمر قد ذهب بزيجات استمرت سنوات عديدات، وأسر ممتدة وكانت مستقرة، وبات استقرارها أمرا في مهب الرياح.. رياح العولمة والإنترنت!